أحدث المشاركات

23‏/07‏/2018

الفيلسوف سقراط

الفيلسوف سقراط :



   يظل الفيلسوف سقراط لغزًا محيرًا، كما كان الأمر في حياته (469 – 399 ق.م) ، وعلى الرغم من أنه لم يترك إرثًا مكتوبا، فإنه يُعد أحد الفلاسفة القلائل الذين أثَّروا في تغيير النظرة إلى الفلسفة تغييرًا تامًا. كلما وصلنا عن سقراط معلومات منقولة، ومعظمها يشتد عليه الخلاف، وبرغم ذلك، تظل محاكمته وموته، على يد الديموقراطية الأثينية، أسطورة تأسيسية للنظام التربوي الفلسفي، بل إن تأثيره قد تجاوز الفلسفة ذاتها، وفي كل العصور. وبسبب اعتبار حياته مثالا نموذجيًا للحياة الفلسفية، أو مثالا لما ينبغي أن تكون عليه حياة أي شخص مجملًا؛ فقد نال سقراط الكثير من الإعجاب وقلده كثيرون، وهذا يكون عادة من نصيب مؤسسي المذاهب الدينية ـ مثل يسوع أو بوذا ـ لكن الأمر يصبح غريبا بالنسبة لشخص كان يسعى بقوة إلى جعل الآخرين يمارسون تفكيرهم الخاص، أو لشخص أُدين وأُعدم بتهمة الكفر بآلهة أثينا. من المؤكد أنه كان محط إعجاب الكثير، إلى درجة دفعتهم إلى الكتابة عنه، وكلهم رأوا فيه شخصا غريبا بالنسبة إلى تقاليد القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا: في مظهره، وشخصيته، وسلوكه، وكذلك في آرائه وأساليبه. 

المحير في الموضوع صعوبة تمييز سقراط التاريخي عن سقراط الموجود في نصوص من كتبوا عنه، بالإضافة إلى تعدد شخصيات سقراط في تفسيرات العشرات من المفسرين المتأخرين، ويشار إلى هذه المسألة الخلافية، باسم: المشكلة السقراطية. فكل عصر، وكل تحول ثقافي يُنتج سقراطه الخاص به. وما لا يقل صحة عن ذلك؛ أننا لا نعرف سقراط “الحقيقي”: فكل ما لدينا هو مجموعة من التفسيرات، وكل منها تُصور سقراطا “ممكنا نظريا” بحسب تعبير كورنليا دي فوجل (1955-28). في الواقع، كانت دي فوجل تكتب بينما كان نموذج تحليلي جديد لتفسير سقراط، على وشك أن يصبح نموذجا قياسيا؛ نموذج جريجوري فلاستوس، الذي سيهيمن حتى منتصف التسعينيات. من هو سقراط بالفعل. تلك هي المسألة الأساسية بالنسبة لتفسير فلاستوس لمحاورات أفلاطون الفلسفية، كما هو الحال بالنسبة لأي تفسير، لأن شخصية سقراط هي الشخصية المهيمنة في معظم محاورات أفلاطون. 
تتزايد الصعوبات بسبب أن من عرفوا سقراط وكتبوا عنه كانوا قبل أن يتم إنشاء أسس معيارية للتصنيفات الحديثة، أو حساسيات، فيما يخص تأسيس الدقة التاريخية، أو الضرورة الشعرية. فكل مؤلف يقدم تفسيره الخاص لشخصية وحياة شخصياته، سواء كان يقصد ذلك أم لا، وسواء كان ما يؤلفه رواية، أو سيرة ذاتية، أو فلسفة (في حال كان الموضوع الفلسفي يتضمن شخصيات). لذا، كان من الضروري إنشاء معايير أخرى، نتمكن بها من تقرير: أي من تلك التصورات المتنازعة هي عن سقراط، كما كان بالفعل. إن النظر إلى المصادر الثلاثة الأساسية القديمة، سيوفر لنا قاعدة لتقدير مدى اختلاف التفسيرات المعاصرة (أنظر 2.2) كما سيوضّح لنا أهمية تلك التفسيرات (أنظر 2.3). 
أمر واحد مؤكد حول سقراط التاريخي: أنه حتى بين من عرفوه في حياته، هناك خلاف عميق حول ما كانت عليه تصوراته وأساليبه الفعلية. وفيما عدا تلك المصادر الأساسية، التي سنتكلم عنها لاحقا، كان هناك من يُطلق عليهم: “صغار السقراطيين” وسبب التسمية لا يعود إلى قيمة أعمالهم، وإنما لأن القليل جدا من أعمال بعضهم، أو لأشيء من أعمال البعض الآخر، هو ما بقي حول تصوراتهم عن سقراط، والتي، من المحتمل، ألا نعرفها أبدا . بعد موت سقراط، أصبح تراث المسألة أكثر تباينا، كما ذكر نيهاماس (1999, 99): “باستثناء المدرسة الأبيقورية، فقد رأت كل مدرسة فلسفية قديمة، على اختلاف توجهاتها الفلسفية، في سقراط، مؤسسا فعليا لها، أو نمطا للشخصية التي يستلهمها أنصارها”. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

روابط الصفحات الاخرى

مدونة أرشيف العلوم الإجتماعية :

مدونة عربية شخصية مختصة في نشر كل المواضيع المتعلقة بالعلوم الإجتماعية بشتى فروعها وتخصصاتها ، سواءََ بحوث أو مقالات أو كتب .