أحدث المشاركات

09‏/06‏/2018

مدخل الى فلسفة العلوم


فلسفة العلوم :

 

ربما كانت فلسفة العلوم من أقل فروع الفلسفة انتشاراً في العالم العربي من حيث الدراسة والبحث والتدقيق ، ذلك أن موضوع ذلك الفرع هو العلوم التجريبية التي أصبحت البلاد العربية من أكثر بلدان العالم تخلفاً فيها وجهلاً بها ، وفلسفة العلوم تعتبر أهم فرع من فروع الفلسفة في هذا العصر ، حيث أنها تعني برسم الحدود الفاصلة بين ما هو علمي أولاعلمي أومضاد للعلم(1) من حيث القواعد المعرفية وطرق الاستدلال وأدوات النقد لكل تخصص من تخصصات العلوم التجريبية ، كما أن فلسفة العلوم كذلك تعني بشكل كبير بالمحاولات المضنية لصياغة رؤية فلسفية عن الوجود الإنساني والكون بحيث تكون هذه الرؤية بديلاً للدين الذي هجره الغرب وأوروبا بشكل خاص منذ عدة قرون. إذن فيمكن القول أن فلسفة العلوم ترتبط من جانب بالتقدم في العلوم التجريبية وترتبط من جانب آخر بالتجربة الدينية الأوروبية ، فما هو موقف الإسلام من فلسفة العلوم ؟ في الحقيقة أن موقف الإسلام من فلسفة العلوم له محورين رئيسيين : المحور الأول يتعلق بموضوع ذلك الفرع من الفلسفة ألا وهو العلوم التجريبية ، والمحور الثاني يتعلق بطرق الإستدلال وأدوات النقد الخاصة بالعلوم التجريبية. أما موقف الإسلام من العلوم التجريبية فهو موقف بالغ التحرر بعكس موقف النصرانية من تلك المنجزات ، فليس ثمة تعارض بين منجزات العلوم التجريبية ونصوص أو أحكام الشريعة إلا في مواضيع محدودة للغاية مثل استنساخ البشروإجراء التجارب الضارة أو القاتلة علي الإنسان. أما بالنسبة إلي موقف الإسلام من طرق الاستدلال وأدوات النقد الخاصة بالعلوم التجريبية من حيث تقاطع تلك الطرق والأدوات مع مثيلاتها المختصة بالعلوم الإسلامية ، فهو أحد أهم المواضيع التي تهدف هذه السلسلة من المقالات إلي بحثها ودراستها إن شاء الله تعالي.

مرت فلسفة العلوم بمراحل متعددة في الفكر الغربي منذ بدئ صياغة منهج العلوم التجريبية في القرنين السادس والسابع عشر إلي يومنا هذا ، وقد جسدت كل مرحلة أزمة من أزمات الوعي الإنساني الغربي الذي قد اتخذ قراره بهجر الدين منذ أن بدأ زيف نصوص العهدين يتكشف إبان عصر النهضة الأوروبية وما تلاها ، فالعلاقة بين تطور المناهج الإلحادية وتطور فلسفة العلوم في أوروبا هي علاقة بلا شك وثيقة ، فعندما كانت العلوم التجريبية في بداياتها كان أثرها علي التجربة الدينية الأوروبية محدوداً حيث تمثل في ظهور المذهب الاعتراضي(2) ورفض السلطة الكهنوتية الكاثوليكية فقط ، ولم يتم المساس بعقيدة الخلق(3) أو مبدأ النبوة(4) اللذان تقوم عليهما النصرانية ، بينما نري أنه مع تطور فلسفة العلوم واستقلالها عن باقي فروع الفلسفة ظهر الإلحاد العلمي الحداثي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأطروحات علمية بحتة تتعلق بالداروينية(5) والفيزياء الفلكية الحديثة(6) وميكانيكا الكم(7). يُلخص برتراند راسل(8) أحد أشهر فلاسفة العلوم في القرن العشرين العلاقة بين العلم والإلحاد الحداثيين في عبارته الشهيرة "الدين هو شئ تبقي لدينا من طفولة ذكائنا ، وسوف يتلاشي بمجرد أن نتبني المنطق والعلم كأدلة توجيهية"(9 .(

بالرغم من أن الرؤية الإسلامية تجاه فلسفة العلوم قد تبدو قاتمة إلي حد ما لارتباط الكثير من الأطروحات المعاصرة لهذه الفلسفة بالإلحاد العلمي ، إلا أن إدراك المنجزات المعرفية لفلسفة العلوم علي مدار المائة عام المنصرمة يغير من تلك القتامة بشكل جذري لتصبح الرؤية الإسلامية لها معتدلة وإيجابية ، فتري الأطروحات التي تقود إلي نفي الخلق أو قيام الكون بذاته في سياقها التاريخي كأطروحات ضعيفة فلسفياً ومعرفياً ، وتري الأطروحات الأخري التي تتعلق بمواضيع علمية رصينة كالنظرية النسبية(10) وعلم الكونيات الحديث في سياقها العلمي كمنجزات معرفية باهرة تستحق البحث والدراسة ، كما أن الرؤية الإسلامية المعاصرة تجاه الفلسفة الوضعية وحتمية القوانين الوضعية وغير ذلك من أصول فلسفة العلوم يجب أن تخضع للفحص والتمحيص ، ويجب أن تقدم بجرأة وصراحة للجمهور الذي يتلقي الرؤي الغربية المعادية للدين من خلال وسائل الإعلام بكافة أنواعها كل يوم.

تسعي فلسفة العلوم إلي الإجابة علي أربعة أسئلة كبري ينتظر العالم أن تشكل إجاباتها الأنموذجية إطاراً معرفياً حاسماً لكل ما يتعلق بالعلم كنشاط إنساني ، هذه الأسئلة هي:

1-
ما هو هدف العلم ؟

2-
ماهي الحدود المنطقية والفلسفية للافتراضات العلمية الصحيحة ؟

3-
ماهي الحدود الفاصلة بين الحقائق والنظريات والفرضيات العلمية ؟

4-
ماهو منهج البحث العلمي المثالي ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

روابط الصفحات الاخرى

مدونة أرشيف العلوم الإجتماعية :

مدونة عربية شخصية مختصة في نشر كل المواضيع المتعلقة بالعلوم الإجتماعية بشتى فروعها وتخصصاتها ، سواءََ بحوث أو مقالات أو كتب .